السندباد يروي حكايته الثامنة معروف أن للسندباد سبع حكايات لسبع رحلات === هيّأتُ للرحيلْ طفولتي وبيتي القرميدْ وقُلتُ للجليد في حلمِ الطفولةِ العنيدْ مسافرٌ أنا غدا مُجلْجِلٌ صدى في وطنِ الأموات والعبيدْ مسافرٌ أنا غدا كالرّعدِ، كالنّدى بكل ما أملكُ من غليلْ من عطَشٍ إلى الحياة رائعٍ نبيلْ أدُقُّ بابَ البعثِ في مخيّمِ الرّدى أهُزّ هذي الجُثّةَ القتيلْ === هيّأتُ للرحيلْ عينينِ تحلُمانِ بالشموسْ تُفَجِّرُ الأضواءْ وتفتحُ السماءْ لموكبي الزاحفِ بالوعودْ وكانتِ الرُّعودْ تضجُّ في رأسي بلا أصواتْ وتنشرُ الأمواتْ تنشرهم من وَْشةِ الرُّموسْ* في قريتي.. في الجُثّةِ القتيلْ.. === سافرتُ تحت التينِ والرّمانِ والزيتون على جوادِ عنترةْ والملكِ الظاهر، والكتائبِ المُظَفّرةْ مررتُ بالمُعلّقاتِ العشرِ، بالنّفائسِ المُدّخرةْ حفظتُ من أبياتها الآلافْ أضفتُ من خيالي الآلافْ أحسستُ أنّ رأسي الصغيرْ يخترقُ الغيومْ يدقُ بالنجومْ يبني بجذعِ التينةِ الصغراءِ، يبني الوطنَ الكبيرْ === سهرتُ حتى تعبَ السّهَرْ على جفوني واشتكى القمرْ سهرتُ في مناجمِ العِظامْ في المتنبي، في أبي تمامْ رأيتُ كيف تنحني الشّفاهْ وتسجُدُ الجباهْ على حِذاءِ "صَنَمِ" على خيالِ درهَمِ تسألُ، تستعطي بلا حياءْ تُمرّغُ السماءْ في العَتَباتِ السُّودِ والبيض على السّواءْ وعُدْتُ أبكي روعة النّغَمْ يذوبُ في "صنمْ" يُعملقُ القزمْ وفي يديهِ أبداً سُؤالْ ومِدْحَةٌ.. تستمْطِرُ النوالْ === وذات يومٍ راعَني بِناءْ يغيبُ في الفضاءْ يُطاولُ السماءْ كان بلا رفارفٍ حسانْ بلا نُقُوشٍ تزحَمُ الجُدرانْ كان البناءُ الفَذُّ من حصيرْ وظامئينَ ازدَحموا وفي العيونِ نَهَمُ يُصغونَ في صمتٍ إلى ضريرْ يشمخُ كالتاريخِ، كالمنارْ يُوَزّعُ الأبصارْ وأبداً يُضيء لكلّ من جاءَ، ومن يجيءْ.. ينداحُ في الزمانِ والمكانْ ينداحُ من معَرّةِ النُّعمانْ === وعُدتُ من منجمِ الخُلُودْ مُشرّداً عن بيتي القرميدْ في بلدي طريدْ.. كيفَ يكونُ المرءُ في منزلهِ طريدْ؟ كيف تدُقُّ رأسهُ الأسوارُ والحدودْ أنّى مَشى.. الأسوارُ والحدود في وطن الآباءِ والجدودْ؟ كيفَ ؟ سُؤالٌ لم يزلْ يرودْ أعماقَ أعماقي بلا جوابْ أعرفُهُ.. لأنه أوضحُ من نهارْ أعرفُهُ ما دَقّتِ الأسوارْ رأسي الذي يرفعه إعصارْ من ألمٍ، من نِقمةٍ، من نارْ لكي أقولَ: لا، لهذا الحاضرِ الذليلْ لكي أهُزَّ الجُثّةَ القتيلْ === رأيتُ ألواناً من "الدُّمى" يرفعها "الحواةُ" حتى تنطحَ السما يرفعها "الحواةُ" فوق الحُكْم والعروش ما أكثر الأربابَ والعُروشْ فوقَ ثرانا الطيّبِ الحزينْ! يسارُها المحمومُ كاليمينْ قطيعٌ جائعينْ لمقعدِ أذلّ من وتدْ عل حطامِ الوطنِ اقْتُعِدْ ولم تُثِرني "دميةٌ" بتاجْ تعُبُّ من دمي لكي لا يُخْرَقَ السياجْ ويستفيقَ اعاصِفُ العظيمْ ويرحلَ التاجُ إلى الجحيمْ أثارني... مالي وللجِراحْ.. أغرِزُ فيها صرخَتي منذُ بدأتُ رحلتي لتسمعَ الرياح يا دربنا الدامي الذي كان اسمُهُ الكفاح لتسمَعَ الرياحْ! === رجعتُ من حكايتي.. من غُرْبَةِ السنينْ بحلُمٍ طعينْ.. أعطيتُه أثمنَ ما في العُمْرِ من ثمينْ ولم أزل أعطيهُ الحلم الضّخمُ الذي أحيا له، وفيهْ يمُرُّ في عينيّ حيناً أسوداً كفحمةِ الدُّجى كغَرْغَراتِ النَّزْعِ.. لا نبضةَ تُرْتَجى ومرّةً.. يسطعُ كالشهابْ يُمَزِّقُ الضبابْ ويملأُ اليبابْ حدائقاً خُضراً.. وأطفالاً.. وأنبياءْ وتضحكُ السماءْ في كلماتي.. تضحكُ السماءْ وينبتُ الربيع في عينيَّ ملءَ السهلِ والجَبَلْ وأكتُبُ الغزلْ لطفلةٍ في خاطري سمراءْ أحببتُها.. فوقَ صفاءِ الحُبّ.. فوقَ الشعرِ والغِنَاءْ ____________ الرمس هو القبر و جمعها الرموس